السياحة الثقافية بين حماية التراث والنمو الاقتصادي
فاليري
باتان Valery Patin
عضو مجلس إدارة المجلس
العالمي للآثار والمواقع
ICOMOS
تتكون السياحة الثقافية من مجموعة العادات السياحية
المرتبطة بالتراث الثقافي والطبيعي.
بعض هذه العادات تقليدية مثل:
1- زيارة المواقع الأثرية، الأوابد التاريخية، المتاحف
والمواقع الطبيعية.
2- المشاركة في عروض أو مهرجانات وبعضها أيضاً أكثر
حداثة مثل:
• زيارة المراكز العمرانية التاريخية والقرى القديمة.
• الزيارة أو التردد على المعارض المؤقتة.
• الإجازات والجولات السياحية في المحميات الطبيعية (
السياحة البيئية –
eco-tourism ( أو لدى السكان المحليين ( السياحة
العرقية – ethno-tourism )
• استعمال منتجات الحرف التقليدية وتذوق الطبخ المحلي.
• السكن في المباني التاريخية ولدى السكان المحليين.
بالنسبة للسياحة بشكل عام فإن السياحة الثقافية لديها
بعض المميزات نستعرضها كما يلي:
1- هي سياحة في أوج تطورها:
في الستينات أو السبعينات كانت نسبة السياحة الثقافية
تبلغ حوالي 5% من السياحة بشكل عام.
تشير الدراسات الأخيرة أن نسبة السياحة الثقافية اليوم
تبلغ ما بين 12-15 % وأحياناً حتى 20% في المناطق
الأكثر غنى بالتراث.
إن نسبة ارتياد المتاحف الهامة والمواقع قد ازدادت
بشكل كبير مؤخراً ,اذكر كمثال أنه في عام 2005 كان
هناك 12 مليون زائر في البندقية و7.3 مليون زائر لمتحف
اللوفر ومليونان ونصف المليون من الزوار في بومباي
ومليونين وأربعمائة ألف زائر في غرناطة.
2- هي سياحة تأخذ بعين الاعتبار العامل الاقتصادي:
إن السياحة الثقافية التي كانت تعتبر على هامش برنامج
السياحة بشكل عام قد أصبحت اليوم عاملاً هاماً بل
أساسياً بفضل الدور الاقتصادي الذي تلعبه.
فقد أظهرت عمليات إظهار قيمة المعالم التراثية وفتحها
للعوام. الزائر الذي يدفع يورو واحد عند زيارته لموقع
ما ( بطاقة دخول، خريطة أو دليل زيارة، زيارة مع دليل
سياحي وشراء تذاكر من بعض المحال التجارية على أرض
الموقع ).
هذا الزائر نفسه يدفع وسيطاً 10 يورو في المناطق
القريبة من الموقع الذي زاره ( ما بين مشتريات ومطاعم
وخدمات وأجرة نقل وسكن ) وفي دراسة أجريت حديثاً في
منطقة الشاطئ الأزرق في فرنسا قُدِّرت العائدات
المالية للسياحة الثقافية حوالي 1.2 مليار يورو على
الاقتصاد المحلي، هذه الحالة الاقتصادي الخاصة من
السياحة الثقافية أداة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي
ولتشجيع هذه العملية فإن المنظمات العالمية Undp
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي والاتحاد
الأوروبي وأيضاً الدول والجمعيات ساهمت برؤوس أموال
هامة .
إن إنشاء المتحف الأثري الجديد في القاهرة هو أحد
الأمثلة الهامة على ذلك والحال في تونس شبيهة أيضاً
حيث أن البنك الدولي يمول برنامج ترميم وإبراز التراث
هناك.
الهدف من هذا البرنامج هو تحسين إدارة المواقع
وحمايتها والعمل لصالح تحضيرها وإعدادها بشكل أفضل من
حيث توفير المعدات اللازمة، الدورات التدريبية، خلق
فرص عمل...الخ
وأخيراًَ تقوية و إدراج هذه المواقع في المناهج
المدرسية ومراجع الدلالة السياحية.
3- هي سياحة تعمل على خلق تعايش أو مساكنة بين
الحماية للتراث والنمو الاقتصادي:
أدت الزيادة السريعة لهذا النوع من السياحة إلى
خلق ضغط كبير على المواقع من حيث تأثير عدد الزوار
الكبير وعلى المنشآت العقارية ( التجهيزات اللازمة
والسكن السياحي ) فتم من جراء ذلك طرح سؤال هام حول
الوسائل التقنية التي تسمح بتوفير حماية لهذا التراث
من دون منع أو حد للنمو الاقتصادي ويمكن الرجوع بهذا
الصدد إلى الاتفاقية العالمية للسياحة المعدة من قبل
Icomos المجلس العالمي للأوابد والمواقع، والرجوع
أيضاً إلى كتاب J.L.Luxen ، G.Brooks فاليري باتان و
A.Vourah عن الإدارة السياحية للمواقع الثقافية
والطبيعية التي يتم ارتيادها بشكل كبير.
المنظمة العالمية للسياحة، مدريد- كانون الثاني 2006
من الخطوات الواجب اتخاذها والتي تعتبر ذات فعالية
وأهمية كبيرة هي وضع ( مخطط لإدارة الموقع ) يسمح
اليوم بمعالجة وإدارة الأخطار المتعلقة بالارتياد
السياحي زائد عن الحد الطبيعي يساهم في دعم الإسقاطات
الاقتصادية للاستثمارات.
إذاً يجب أن يتكون أي مخطط لإدارة موقع ما مما يلي:
- برنامج حماية وترميم.
- تحليلات ودراسات عن قدرة واستيعاب الموقع ( قدرة
التكفل بالموقع، تقسيمات واضحة او ما نسميه Zoning )
تسمح بتفريق المناطق المختلفة بدءاً من المناطق الأكثر
حساسية غير المنقبة التي سيصار إلى حمايتها وانتهاءاً
بالمناطق المعروفة الأقل حساسية والتي من الممكن إقامة
خدمات استقبال فيها.
- مخطط حركة سير ضمن الموقع ومن محيطه القريب يسمح
بإدارة وتنظيم موجات الأعداد الكبيرة من الزوار يسمح
بتلافي ظاهرة الارتياد الزائد للمكان.
- برنامج لتنظيم وتهيئة الموقع.
- برنامج يعالج مسألة إظهار القيمة الحقيقية للموقع (
يتضمن تنظيم الموقع، دراسة إضاءته، توفير مراجع
سياحية، تدريب الأدلاء السياحيين ).
بالإضافة لما سبق فإن المخطط الإداري يجب أن يأخذ بعين
الاعتبار كيفية إشراك القاطنين المحليين في عملية
التنمية ( دورات تدريبية، وظائف مميزة، دعم المنتجات
الحرفية والنشاطات التقليدية، الطبخ المحلي، تأمين
الاستضافة لدى السكان المحليين، الاحتفالات ).
يجب إيلاء أهمية كبيرة خاصة لمشاكل استضافة السياح في
المناطق القريبة من الموقع مع ضرورة تشجيع ترميم
وتأهيل السكن التقليدي بشكل يسمح باستقبال السياح سواء
أكانت هذه المساكن فنادق أو شقق للإيجار. هذه المساكن
يجب أن تحافظ على طابعها التقليدي من حيث مواد البناء،
المواصفات المعمارية والتزينية.
الأمثلة على ذلك عديدة وهذا النوع من السكن التقليدي
يلقى نجاحاً كبيراً.
هناك عدد كبير من المكاتب السياحية المتخصصة في هذا
المجال ( cuendek donatello ) . سلسلة الفنادق التي
يطلق عليها لقب ذات السحر الخاص هي أيضاً عديدة (
القصور المستعملة كفنادق ) وأخيراً قامت بعض دور النشر
بطبع مراجع وأدلة سياحية متخصصة في هذا النوع من
السكن.
4- وضع سوريا
في ضوء التطورات الأخيرة ما هو موقف سوريا؟
إن سوريا وجهة ثقافية سياحية ذات مكانة هامة للغاية،
صورة التراث السوري قوية، لكن من الممكن أن يتم دعمها
في الإعلام العالمي على أهمية وقيمة التنقيبات الأثرية
وعمليات الترميم مثالاً على ذلك الوضع في مصر.
إن ازدياد أهمية السياحة والضغط العمراني يتطلب إعادة
النظر في النصوص القانونية الخاصة بحماية التراث بشكل
يسمح بالتدخلات السريعة على بعض المواقع الأكثر خطورة
بما في ذلك المراكز العمرانية التاريخية وذلك يترافق
مع اتخاذ إجراءات لتطوير مخطط حماية لهذه المواقع.
في مجال إدارة المواقع من الضروري البدء بتدريب
المسؤولين عن المواقع في جميع مجالات واختصاصات
الإدارة من استقبال للزوار والسيطرة على الأعداد
الكبيرة للسياح وعملية تقييم ودراسة النمو الاقتصادي
المحلي.
إن أي مسؤول عن المواقع لم يعد بالإمكان أن ينحصر عمله
اليوم بالحماية والمحافظة بل يجب أن يكون عاملاًً
هاماً وفعالاً في اقتصاد هذه المنطقة وأخيراً وفي
الحالات الأكثر صعوبة يبدو من المهم الأخذ بعين
الاعتبار ضرورة تطوير خطط الإدارة للمواقع بالتوافق
وبالاشتراك مع السلطات الثقافية والسياحية وبحضور
ممثلين عن مختلف جوانب الحياة المحلية والاقتصادية
والاجتماعية.
فاليري باتان Valery Patin
عضو مجلس إدارة المجلس العالمي للآثار والمواقع
ICOMOS
ورشة عمل عمريت وطرطوس القديمة
وأرواد 7-9 \ 2\ 2006
متطوعون لإنقاذ عمريت
|