دور
الصحافة الفاعل
جريدة الوحدة 19\4\2005
كان هناك صمت كبير عن
سرقة مقابر عازار شمال عمريت, مقابل جزيرة أرواد والتي
يعتقد أنها مقابر الأرواديين القدامى، ومنذ عشر سنوات
تحولت إلى مكب لنفايات المدينة حيث تراكم فيها خلال
هذه الفترة أربعون ألف شاحنة ( زبالة), وصارت مرتعاً
للصوص الآثار الذين يقومون بسبر المنطقة بإجراء حفر
مربعة في المنطقة الرملية أبعادها حوالي المتر المكعب،
وعندما يكتشفون مقبرة يأتون بالتراكسات لتدمير سقفها
الذي يشبه القبة، ثم يسحبون التوابيت الفخارية المودعة
داخل أماكنها المخصصة, يقتحمون حرمة الموتى, يكسرون
توابيتهم, ثم ينهبون اللقى داخل التوابيت, وهي عادة
هدايا أصدقاء المتوفى من ذهب ومدامع زجاجية, وخواتم,
وأوراق ذهبية توضع على العينين, وأحياناً يرى الهيكل
العظمي, أو بقايا الثياب, وفي حالات نادرة مومياء
بالتأثيرات الفرعونية.
بتاريخ 19/4/2005 نشرت مقالة في جريدة الوحدة عن سرقة
مقابر عازار, وعن توابيت اكتشفها اللصوص في اليوم
الأول ثم رآها حارس جوال وأتى بالمنقبين الذين أبلغوا
عنها، لكن اللصوص أتوا ليلاً ليحطموها وينهبوا مافي
داخلها، واسترعت المقالة انتباه المكتب الصحفي
بالمحافظة, ثم السيد المحافظ وصولاً إلى الشرطة
والأمن, ووزارة الثقافة, وكبقعة الزيت أخذت تنتشر,
وقام التلفزيون العربي السوري بالتصوير للمواقع
المنهوبة وأجروا مقابلة مع المنقبين, ثم انتقل للحديث
مع المدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف هاتفياُ
أثناء البث على المواطنين, بعدها كتب رئيس مكتب الثورة
في طرطوس مقالة في جريدة الثورة حول الموضوع واسعة
ومفصلة , ثم
قام بعض الشبان المتطوعين - الذين تابعوا الموضوع من
البداية - بمقابلة السيد وزير الثقافة مصطحبين معهم
حاسوباً محمولاً عليه صور مقابر عازار, ازدادت دهشة
الوزير لمرأى صور المقابر المنهوبة, وحفر السبر التي
خلفها لصوص الآثار, وجرأتهم الوقحة واللامتناهية,
وأصدر السيد الوزير تعليماته بشكل فوري لتسوير المنطقة
وإنارتها بالبراجاكتورات, وزيادة عدد العمال العاملين
في التنقيب, وزيادة الأجور المخصصة لهم ( كان أجرة
العامل 175 ل.س يومياً ), كما وجَّه لوجود حراس دائمين
بالتعاون مع المحافظة, والشرطة, والأمن، حضر المقابلة
المدير العام لهيئة الآثار.
أما اللصوص وقبل كتابة المقابلة الصحفية فكان بعضهم
يتجول بحرية أمام المنقبين مستعرضين متحدثين, ويقومون
ليلاً بأعمالهم بسرعة أكبر وإمكانيات أكبر من
المنقبين؛ وكأنهم يتسابقون معهم؛ لكن الضجة التي أعقبت
الإعلام الصحافي ثم التلفزيوني جعلتهم يتوقفون, ولفت
ذلك الاهتمام الإعلامي نظر المسؤولين على كافة
المستويات في القطر.
ما أريد قوله
بهذه المقالة : إن للصحافة دوراً فاعلاً في التغيير
وكشف السرقات والفساد عندما تتاح لها الحرية في العمل,
و عندما ترفع الحصانة عن أولئك الذين يسرقون الوطن
متسترين بمواقع معينة.
إن فسحات الحرية المعطاة للصحافة تجعلها تكشف الفساد
وتردع أولئك الذين ينهبون خيرات الوطن, وتأمرهم
بالتوقف؛ لربما تصحو ضمائرهم, أو ينالوا جزاء ما
ارتكبوه .
كم نحتاج من المقالات والكتابات الحرة والجريئة التي
تشير بأصابع الاتهام إلى أولئك الذين يقومون بسرقة
آثارنا وأقوات شعبنا, ويرتكبون الخطأ لأنهم اعتادوا أن
يعرقلوا كل عمل لا يدفع عليه مقابل, وبدل كلمة الرشاوى
تستخدم كلمة ثمن فنجان قهوة, و إلا كيف نرى موظفاً
مسؤولاً ومؤتمنا يمتلك المليارات من الليرات السورية
بعد سنوات من وظيفته, وهذا المبلغ يعادل راتبه لآلاف
السنيين ، بينما الكثير من الموظفين الشرفاء يكافحون
من أجل لقمة العيش.
د.محمد الحاج صالح
|