|
|
 |
|
عمريت
بين الماضي والحاضر
الوحدة 2-07-2005
عند الإعداد لمهرجان
عمريت الثقافي في العام الماضي اعترض أحد المسؤولين
على موقع المهرجان مستنكراً :
- ماذا يوجد في عمريت؟ . بلان و أفاعي !
أجابه أحد المثقفين بهدوء إنها عمريت المدينة
الفينيقية ابنة أرواد والمدينة التي استقبل الاسكندر
فيها وفود الملوك من سورية, والتي كان اسمها أرواد
وذكر اسمها في معبد الكرنك في مصر .
وفي حوار آخر مع رجل له موقع هام جرت مناقشة مواضيع
الآثار والسياحة الثقافية وضرورة إجراء التنقيب
للحفاظ على المدينة الأثرية انفعل الرجل المهم وقال
: يجب أن تحضروا الجرافات والبلدوزرات وتحرثوا هذه
الآثار, ماذا يوجد هناك؟ فخار ومقابر ومجاري ماء
وحجارة بيوت مهدمة لو كان الأمر يعود إلي لقمت
بفلاحتها اليوم .
و أشكر الله أن الأمر لا يعود لهذا الرجل الذي لا
يهمه أننا أبناء حضارة عمرها آلاف السنوات, وبعيداً
عن المسؤول الأول والرجل الثاني ذو الموقع الرفيع
أقيم في العام الماضي مهرجان عمريت الأول قرب معبد
الإله داجون, رب الغلال وماتزال كلمة ( دجن )
المستخدمة في ريفنا الساحلي مشتقة من اسمه, ونسمع
كلمة على سبيل المثال
( ماذقنا الدجن اليوم ) ومعبد الإله داجون في عمريت
محفور في صخرة كبيرة, وأبعاده أكثر من ثلاثين متراً
طولاً وعشرين متراً عرضاً وفي منتصفه مذبح ويجري فيه
نهر عمريت حيث تركب القارب لتصل المذبح وتقدم
الذبيحة أو الأضحية لداجون رب الغلال في طقس قدسي .
المياه تخرج من فم الأسود ونهر يجري, ومعبد يحمل معه
عبق التاريخ, وغير بعيد عنه يقع ملعب عمريت الأول
ويعود إلى 600 عام قبل الميلاد, له قياس الملاعب
الأولمبية الدقيقة ويحتفر في جوانبه مدرج لجلوس
المتفرجين, ويتسع إلى إحدى عشر ألف متفرج, ويجري
حالياً تنظيفه, وتعقد النية على أن يقام مهرجان
عمريت السياحي هذا العام في الملعب, ويستمر المهرجان
لمدة ثلاثة أيام, عروض مسرحية ومهرجان شعري وقصصي
وموسيقى, وموعده في أواخر آب أو أوائل أيلول, ويجري
هذا المهرجان في فترة أخذت عمريت فيها تظهر على
الساحة السورية والعالمية بعد أن امتلكت موقعاً على
الانترنيت, وأخذ المهتمون بالتاريخ يتوافدون من كل
المحافظات السورية ليقدموا الدعم, وتجري ندوات حولها
الأسبوع القادم في حمص ثم طرطوس لتشمل بعدها معظم
محافظات القطر,
ويطمح
المتطوعون لإنقاذ عمريت إلى قيام حملة شعبية تتضافر
الجهود فيها مع الدولة لكشف عمريت ومقابر عازار بعد
أن لعبت الصحافة دوراً كبيراً في تحويلها من موقع
سياحي كان سيدمر الآثار إلى موقع أثري ستقوم حوله
السياحة الثقافية .
إن أبعاد مدينة عمريت 3 كم طول, 2كم عرض, وكان
يقطنها 70 ألف إنسان عام 600 قبل الميلاد عدا عن
امتدادتها التي تظهر أثناء القيام بالحفريات في
المحيط على سبيل المثال (توسيع طريق طرطوس طرابلس)
والآثار التي ظهرت أثناء التوسيع , كما ظهرت الآثار
في منطقة المشتل الزراعي, ومنطقة الإذاعة اللتان
اقتطعا من عمريت أرضاً أثرية، ويأمل المهتمون
بالتاريخ والآثار بأن تنتهي التعديات والسرقات التي
أخذت طريقها إلى المشتل الزراعي المجاور، فلصوص
الآثار ابتعدوا قليلاً عن عمريت وعازار بسبب
المراقبة والتنقيب الرسمي وانتقلوا إلى موقع المشتل,
وصاروا يجرون تنقيباتهم فيه لكشف وتخريب وسرقة
مايمكنهم وكأنهم في سباق مع المنقبين .
إن عدد المتطوعين لإنقاذ الآثار في ازدياد مستمر وهم
يحاولون جاهدين تقديم خدماتهم ومد يد العون والتعريف
بعمريت، ولقد قام وزير الثقافة بزيارة الموقع
وبتقديم بطاقة شكر لهم, وهم يعملون بعيداً عن
الأضواء لا يرجون سوى أن تثمر جهودهم وتنقذ مدينة
عمريت المدينة الفينيقية الوحيدة الباقية تحت التراب
من لصوص الآثار ومن الضياع .
د. محمد الحاج صالح
|
|
|
 | |
