ومن الحب ما
قتل !!
تشرين
11/12/2006
مع
احترامي للسيدة ناديا خوست، وتقديري لحرصها على آثارنا،
أرجو أن تتقبل مني هذا الرد التوضيحي على ما جاء في
مقالها الذي نشرته في صحيفة تشرين بتاريخ ( 4/12/2006
) تحت عنوان:(ثمار الوعي والعمل الإنساني) .
وقد
وددت لو أنها تكرمت وسألتنا (ولو بالهاتف) عن حقيقة ما
حملتنا مسؤوليته مما اعتبرته تطاولاً على الآثار في
فهم غريب لما سمته (قرارات طرطوس) وهي تراها كما جاء
في مقالتها :
(قرارات
خطرة على التراث السوري الحضاري، فورشات البناء فوق
أرض تحتضن لقى أثرية هو انتحار أو جريمة أو هو جهل
وأمية، والمرجو أن تنفض الثقافة عنها ضغط المحافظات
والوزارات فتقيم دورات لتلك المؤسسات تعرف العاملين
فيها بتاريخ سورية) .
ولقد
وددت كذلك لو أن السيدة ناديا تكرمت و جاءت لقارئها
بمَثَل واحد من تلك التي سمتها قرارات طرطوس، فلست
أدري لماذا تركت الأمر غفلاً يشوش القارئ ولا يقدم له
معلومة واضحة على الرغم من أنها تعتبر الأمر جريمة
وجهلاً وأمية !! أليس من حق القارئ الذي يضطرب أمام
تلك الاتهامات الخطيرة أن يفهم ما تلك الجريمة التي
يرتكبها الجهلة الأميون المسؤولون عن الثقافة والآثار
ومعهم المسؤولون عن التنمية والعمران؟
ولولا
أن الكاتبة هي السيدة ناديا لما توقفت لحظة عند هذه
الاتهامات التي يرد في بعض نشرات الإنترنت ما هو أقسى
منها في الكتابات التي يطالعنا بها كتاب مبتدئون أو
فاشلون يبحثون عن إثارة لجذب القارئ إلى ما يفترون .
تمنيت
حقاً لو أن الكاتبة العزيزة عززت مقالتها بالإشارة إلى
مضمون القرارات التي تحدثت عنها مادامت خطيرة ترقى إلى
وصفها بالجريمة؟ أما كان حرياً أن تستشير محامياً
قانونياً يدرس الثغرات في القرارات التي أشارت إليها
فتقدم لنا مطالعة مقنعة؟.
وأما
كان حرياً بها كذلك أن تستشير عالماً في الآثار يدقق
في المعلومات(فهي لن تزعم على ما أحسب بأنها خبيرة في
علم الآثار)؟
والآن
ماذا ستقول السيدة ناديا، وهاأنذا أعلن على الملأ أن
ما تحدثَتْ عنه من قرارات هو مجرد وهم لا أساس له من
الصحة، فنحن لم نتخذ في لقائنا مع السيد محافظ طرطوس
أي قرار يتعرض لهدم أو إزالة أو سماح ببناء فوق آثار
أو لقى أثرية، ولم نتجاوز شيئاً مما أقره قبلنا السادة
الوزراء السابقون، ونحن ندعوها إلى نشر مضمون القرارات
التي تحدثت عنها، واحتراماً لها لن أقول إن في مقالتها
تقوّلاً وافتراء، فلعلها سمعت وشاية أو قيلاً عن قيل،
وظنته حقيقة دون أن تتحرى، فوقعت في شبهة الوهم الذي
دفعها إلى اتهامنا بالجريمة والجهل والأمية، وهي لا
تجهل خطورة هذه التهم .
إنني
أرجو من السيدة الفاضلة ناديا خوست أن تحسن الظن بمن
يتخذون القرارات في المؤسسات من وزارات وإدارات (اتهمتهم
بالجهل بتاريخ سورية واقترحت أن تقام لهم دورات)
وأطمئنها إلى أن أصحاب القرارات يعرفون تاريخ سورية
ربما أفضل بكثير مما تعرفه هي، وأقترح عليها ألا
يأخذها الانفعال فتتورط بطلب مناظرة تلفزيونية (على
الطريقة الأوروبية) مع أحد ممن تتهمهم بالجهل، فيكشف
الجمهور من الجولة الأولى أنها لم تكن على حق في
اتهامها، ولكنني بدعابة أقول للأخت الطيبة ناديا مرة
ثانية، أرجوك ألا تسيئي الظن بنا، فنحن مثلك قرأنا
التاريخ بل نحن اشتغلنا به فنياً وأكاديمياً، وأرجوك
أن تتأكدي من كوننا نحب سورية مثلما تحبينها، ولكن
حبنا لها ليس حباً أعمى يحجب عنها التطور والتقدم
والتنمية، وأنت تعلمين أن من الحب ما قتل، ولاسيما حين
يكون أفق العاشق ضيقاً .
إننا يا
سيدتي لا نقبل أن يزايد علينا أحد في حب وطننا، ونحن
المؤتمنون على ثقافة بلدنا وآثاره، ولو أننا أسأنا
الأمانة لما انتظر قادتنا السياسيون مقالك كي يردعونا
ويكفوا يدنا عن الجريمة التي تتوهمين، ولاسيما أن
زيارتنا لطرطوس مضى عليها شهور، وكانت أمام الملأ، ولم
تكن زيارة سرية .
فأما ما
نقلته السيدة ناديا من تصريحات لي اعتبرتها حجة علي،
فلا بد من توضيح بسيط، لقد قلت حقاً ( إن البشر أغلى
من الحجر) فهل ترى السيدة ناديا أن الحجر أغلى من
الإنسان؟؟
وقد جاء
هذا في سياق حديثي عن حالات تأشير عشوائي لمصلحة
الآثار شمل بعض الأماكن التي ليس فيها من الآثار شيء،
فتعرض بعض الناس لظلم بيّن، ولاسيما في مناطق الحماية
الأثرية التي يمنع فيها السكان من البناء أو العيش،
ولو أن السيدة ناديا سألتنا لحدثناها عن معاناة الناس
في العديد من المواقع مثل البارة أو آفس في إدلب وفي
أوغاريت، وفي جزيرة أرواد في طرطوس وفي عدد غير قليل
من المواقع الأثرية .
لقد قمت
بزيارة ميدانية
لطرطوس التقيت فيها السيدين أمين فرع الحزب
والمحافظ، ورافقني السادة معاون وزير الثقافة و المدير
العام للآثار وكبار موظفي المديرية من الباحثين
المتخصصين، وفريق من الصحفيين، وناقشنا واقع العمل بما
يخص وزارتنا، وكان للآثار نصيب كبير من عملنا الميداني،
فقد استجبنا لشكاوى عديدة أرسلها إلينا سكان أرواد،
يرجون فيها أن نرحم معاناتهم بسبب تسجيل الجزيرة كلها
موقعاً أثرياً، وعلى أرض الواقع وجدنا بيوت الجزيرة
تقرأ الواقعة، فلا يستطيع أحد أن يرمم بيته أو يتوسع
فيه إلا بإذن من مديرية الآثار التي لا يجرؤ فيها أحد
على السماح كيلا يسارع عشاق الآثار إلى اتهامه بالجهل
والأمية، وجدنا شرفات منازل توشك أن تقع على رؤوس
المارة في الحواري الضيقة التي تشبه ممرات إجبارية،
ووجدنا ما يضيق الناس به في جزيرتهم المحدودة المساحة،
فلا أرض فيها لبناء، ولا سبيل لسكانها بمتابعة العيش
فيها مع ازدياد عدد السكان، ولم يعد أمام شبانها غير
الهجرة منها، وقد تجمع عدد غفير من سكان الجزيرة حولنا
في اجتماع عقدناه في مجلس المدينة، وشكوا لنا معاناتهم
وشعورهم بالإهمال، وما يتعرضون له من ظلم بسبب اعتبار
الجزيرة كلها موقعاً أثرياً، يومها قلت لهم (إن البشر
أغلى من الحجر) وأعلنت أننا سنسمح لأصحاب البيوت التي
توشك أن تتهدم على رؤوس سكانها أن يرمموا، وأقررنا ما
سمح به السيد المحافظ في معالجته لحالات إنسانية،
وقلنا إننا سندرس في المجلس الأعلى للآثار موضوع أرواد،
وقد توافرت لدي رؤية شخصية لما أطرحها بعد على المجلس
الأعلى للآثار، وهي اقتراح أن نعتبر قلعة أرواد وطوق
حماية حولها موقعاً أثرياً فقط، ثم نحرر الجزيرة من
قيود الآثار التي أعاقت فيها الحياة، وهذه رؤية خاصة
لم تتحول إلى قرار، لأننا لم ندرس القضية بعد في
المجلس الأعلى، وننتظر الخطط التنظيمية للجزيرة، ولعل
الكاتبة تعرف أن الوزير لا يتخذ القرار وحده ، بل هو
يدير الجلسة في مجلس أعلى يضم خيرة الخبرات والثقافات،
وحسبك أن شيخنا فيه هو أستاذنا العالم الكبير الدكتور
عبد الكريم اليافي .
فأما
عمريت فإن مشكلتنا الراهنة فيها أننا لم نتخذ بعد أي
قرار نهائي، فما نزال ننتظر أن تنتهي اللجان المتخصصة
من البحث والتنقيب، وقد قلت حقاً إننا لا نريد أن
ننتظر قروناً، فأدوات البحث ليست بالفرشاة كما تظن
الكاتبة، وهي كذلك ليست بالبلدوزر،بل لعلها بالمسح
الجيوفيزيائي أيضا، ولعلها لا تعلم أن السيد وزير
الكهرباء ما يزال ينتظر قرار الآثار لكي يقيم محطة
توليد للكهرباء، ولكننا جميعاً ننتظر انتهاء أعمال
بعثة وطنية تتابع البحث عن لقى أو آثار، فإن لم نجد
فماذا تقول الكاتبة؟، هل ينبغي أن نحرم الساحل السوري
من إقامة أية منشآت سياحية لاحتمال وجود لقى أثرية في
القرون القادمة؟ ألا ترين أية ضرورة للتنمية السياحية
في ساحلنا السوري يا سيدتي الفاضلة؟ هل نصل في تعلقنا
بوهم اللقى الأثرية لدرجة أن نتوقف عن مشاريع التنمية؟.
ستقولين
نعم، ابحثوا عن مكان آخر، حسناً، دلّينا عليه، وأنت
التي تعرفين كما تقولين تاريخ سورية وتعلمين أن ثمة
احتمالاً بأن نجد أثراً أو لقى أثرية تحت كل حجر في
أرض سورية العريقة، فما العمل؟.
إننا
نبحث وبعثاتنا لا تتوقف عن البحث، ولكن حين تأتي
النتيجة مؤكدة عدم وجود آثار حيث نريد أن نبني، فهل
نمسك الفرشاة ونبدأ البحث إلى ما لا نهاية؟
خلاصة
القول يا سيدة ناديا: نحن لم نتخذ قرارات إجرامية، وإن
كان لديك نسخة من أي قرار فيه جهل أو أمية فأظهريه، أو
حسبك أن تلخصي مضمونها، ولقد شتمنا كثير من الذين لا
يعلمون.. سامحهم الله، لأننا اتخذنا قرارا بهدم السوق
العتيق والخراب المتبقي من ميتم سيد قريش في دمشق،
وقال بعضهم إننا نقضنا قرارات سابقة والحق أنه كان
هناك قرار قديم يقول، ينبغي قبل الهدم أن تستشار
مديرية الآثار ( لوجود أعمدة وأقواس في السوق العتيق
من الطراز المملوكي وليس من العهد المملوكي ) وثمة
فارق لا يجهله إلا الجاهل بين البناء على الطراز وبين
بناء من العهد المملوكي وفي اجتماعنا ( المشرق ) لم
نكتف بوصية من قبلنا بمجرد استشارة مديرية الآثار، بل
جمعنا المجلس الأعلى كله مع مديرية الآثار، ودعونا
خبراء متخصصين، وقد قررنا السماح بهدم السوق العتيق
ومبنى الميتم الخرب، بعد أن تأكدنا من عدم وجود أية
سمة أثرية أو فنية أو جمالية للمكان، ولعل بعض القراء
لا يعلمون أن المكان أصبح موقعاً موبوءاً وسط العاصمة
التي تحتاج إلى متنفس، وعلى الرغم من أن الأعمدة ليست
من الآثار في شيء، فقد بالغنا في الحرص عليها، وقررنا
نقلها إلى موقع آخر، وقررنا أن تنشأ في المكان أبنية
ثقافية وعامة على الطراز العربي الإسلامي كي تبقى
منسجمة مع النسيج العمراني لدمشق القديمة المحيطة
بالمكان، ونحن نخطط بمساعدة من محافظة دمشق أن نبني في
المكان متحفاً لمدينة دمشق ننقل إليه اللقى الأثرية
العربية والإسلامية من المتحف الوطني الذي لم يعد
قادرا على حفظ وعرض أية لقى أثرية جديدة، فأما الميتم
فقد وضعت عليه إشارة أثرية عام 2004 ولكننا لم نجد لدى
البحث والتدقيق ما يبرر ذلك، وهذا ما تأكدنا منه خلال
الجولة الميدانية التي قمنا بها برفقة أعضاء مجلس
الآثار ومتخصصين وأساتذة كبار زاروا المكان أكثر من
مرة وتأكدوا من كونه مجرد خراب لا آثار فيه ولا خصوصية،
وقد صورنا فيلماً تسجيلياً للمكان قبل الهدم، وأشكر
السيد محافظ دمشق لحرصه على استشارة مديرية الآثار
عملاً بالقرارات السابقة التي اتخذها من سبقنا إلى
تحمل المسؤولية من وزراء ومجلس أعلى للآثار، وأشكر
أستاذنا عبد الكريم اليافي الذي قال في اجتماع المجلس
الأعلى للآثار يوم اتخذنا القرار
( كما
أن جسد الإنسان يحتاج إلى تجديد الخلايا، كذلك المدن
تحتاج إلى تجديد خلاياها ) .
آخر
القول للسيدة ناديا هو تذكرة لها بأننا تلقينا ذات يوم
نداء من مثقفي حمص يرجون ألا يهدم بناء غير أثري وسط
المدينة، ولكنه موقع لذاكرة جيل، ولعل السيدة ناديا لا
تعلم أننا هرعنا سريعاً إلى المكان، وكان السيد محافظ
حمص يريد الهدم لتطوير المنطقة، فالتقينا مثقفي حمص
بحضوره، وعرفنا في اللقاء مدى تعلق مثقفي حمص بهذا
المكان، فقررنا معاً ( المحافظ وأنا ) أن نحافظ على
هذه الذاكرة الحديثة (التي لا مكان لها في دائرة
الآثار) احتراماً لمثقفي حمص، فاطمئني يا سيدتي فلئن
كنا نحافظ على ذاكرة حديثة راهنة، فنحن أولى إذاً بأن
نحافظ على ما هو ذاكرة أمة عريقة، نجد في
تراثها هويتنا وكنزنا
الحضاري .
د.
رياض نعسان آغا
http://www.tishreen.info/___cult.asp?FileName=568025493200612110012371
(تواجه مشكلة في فتح نسخة الموضوع الأصلية على موقع
تشرين؟ الموضوع
كما ورد بصيغة
pdf
)
|