يوما بعد اخر يثبت شبابنا وشاباتنا انهم اهل للثقة وجديرون بتحمل المسؤولية فقدر ما نوفر لهم ظروفا مناسبة ليعملوا ونستثمر طاقاتهم وامكانياتهم بالشكل الامثل نحصد عطاءهم وتميزهم لا بل وباحيان كثيرة ابداعهم الذي ظهر بمجالات عديدة.

وشبابنا وشاباتنا الذي يشكلون الشريحة الاكبر من تركيبة المجتمع السوري باتوا منذ سنوات قليلة مضت يستحوذون على جوانب عديدة في الخطط والاستراتيجيات والبرامج والمشاريع خاصة التنموية منها من حيث ضرورة احتواء هذه الفئة الهامة من المجتمع واستثمارها وتوجيهها لمجالات عمل نوعية وتخصيص برامج ومشاريع تعنى بالشباب. ومجال العمل الطوعي من المجالات التي ترتكز بشكل رئيسي على جهود الشباب لانهم الاقدر على التناغم مع هذه الاعمال لما يتمتعون به من حيوية وطاقة وبرزت هذه الجهود الشبابية التطوعية خلال السنوات الماضية عبر التطوع باطاره التقليدي والضيق اي العمل الخيري وهو توجه مشكور لا سيما عندما يكون مع الاطفال المحرومين من الرعاية الاجتماعية وهنا من يكون الاقرب لقلب الطفل ونحسن التعامل معه كما الشباب.

غير ان التوظيف الامثل للجهود التطوعية الشبابية كي نسهم في تحقيق عملية التنمية الشاملة وذلك عبر الانتقال بها من فكرة العمل الخيري الى منظومة متكاملة تضطلع بها كل جهة او فرد او مؤسسة لمسؤولياتها كانت ولا تزال قاصرة لحين انعقاد ملتقى الشباب العرب والعمل التطوعي الذي احتضنته دمشق قبل شهرين واسس لمفهوم جديد من التطوع بدأت بوادر ثماره اثناء انعقاد الملتقى حيث قام الشباب المشاركون فيه بتأهيل حديقة صيدنايا في ريف دمشق.‏

وتبلورت نتائج الملتقى بشكل اكثر وضوحا بالأمس حيث قام اكثر من 100 شاب وشابة من جامعات القطر بحملة تطوعية وطنية لتأهيل مدينة عمريت الاثرية شاركتهم فيها السيدة أسماء الأسد تقديرا ودعما منها لجهود الشباب التي ظهرت جلية بالموقع الاثري واشارة واضحة على ان الموقع الذي تعرض لاهمال كبير سيلقى كل الرعاية والاهتمام التي تبقيه معلما اثريا نعتز ونفتخر به.

ووقفت السيدة أسماء بشكل مباشر على الاعمال المنجزة بالموقع واستمعت من المشرفين على الحملة التطوعية والطلاب المشاركين فيها عن واقع المدينة قبل تأهيلها حيث النقص الكبير بالخدمات والاهمال الذي طال الاثار فيها ولمست جهود الطلاب وهم ينزعون النباتات التي تراكمت على احجار المعبد و المدرج الرياضي وقاموا بوضع ساتر ترابي حول الملعب لحماية درجاته الحجرية من مياه الامطار اضافة لوضهم لوحات دلالة عند كل موقع وباللغات الثلاث العربية والانكليزية والفرنسية ومخططا للحركة السياحية ضمن المدينة تسهل للزوار مسيرهم داخلها,والتقت السيدة أسماء خلال الجولة اكثر من 100 متطوع يعملون على تأهيل البرج الايوبي والقلعة في جزيرة ارواد وتحدثت معهم عن الاعمال المنجزة فيها.‏

وبختام الجولة احاط الطلاب بالسيدة أسماء شاكرين دعمها ورعايتها لمثل هذه النشاطات الهامة, بدورها بادرتهم السيدة أسماء بالقول:ان ما قاموا به من عمل تطوعي يعبر عن شعورهم بالمسؤولية تجاه الحفاظ على تراثنا الثمين ودليل على ان التطوع قرار واع يتخذه كل فرد منا في حياته اليومية ليعود بالفائدة على الفرد نفسه وعلى المجتمع والبلد بأكمله.‏

خلية نحل‏

على الرغم من ان هذه الحملة التطوعية ترافقت مع شهر رمضان المبارك وارتفاع ملحوظ بدرجات الحرارة الا ان الشباب و الشابات بالموقع تحولوا لخلية نحل تعمل دون كلل او ملل وكل فرد فيهم يؤدي عمله بروية واتقان نعم التعب بدا واضحاً على الوجوه ولكن وكما اكدوا لنا لو انكم اتيتم قبل بدء الحملة (اي منذ ثلاثة ايام)وشاهدتم ما طال هذه المدينة العريقة من اهمال لأدركتم الفرح الذي نشعر به الان بعد تأهيل الموقع.‏

الى جانب تضافر لجهود طلبة سورية شاركت بالحملة جمعية انقذوا عمريت وجمعية الباسل للايتام واثمرت جهودهم عن تأهيل المدينة لتصبح قابلة لاستقبال الزوار وهذا نموذج ايجابي على تضافر جهود الجهات الرسمية والاهلية.‏

الحفاظ على الآثار مسؤولية الجميع‏

شادي ابراهيم خريج معهد مراقبين فنيين قال:عندما اعلن الاتحاد الوطني لطلبة سورية عن عزمه تنظيم هذه الحملة لم اتردد للحظة واحدة بتسجيل اسمي فقد عشت تجربة جميلة ومفيدة في الملتقى الشبابي العربي التطوعي وتمنيت مع العشرات من الشباب العرب ألا تبقى توصيات الملتقى حبرا على ورق كما الكثير من مؤتمراتنا العربية وان تفعل جديا دعوته لتعزيز متانة التطوع لدى الشباب العربي على ارض الواقع. وكانت اول البوادر المشجعة لنا بان الملتقى سيتعدى اطار اللقاءات والاجتماعات للعمل الميداني الحقيقي مشاركتنا بتأهيل حديقة صيدنايا اثناء فترة انعقاد المؤتمر والان نعمل على تأهيل موقع عمريت وكلنا ثقة ان الدائرة ستتسع لا سيما بظل الرعاية والاهتمام المباشرين من السيدة أسماء الأسد لهذه الاعمال ومشاركتنا فيها.‏

جهودنا أثمرت‏

لأكثر من ثلاث سنوات عمل فريق متطوعي انقاذ عمريت على توجيه النداءات لكافة الجهات المعنية بضرورة الانتباه لما تتعرض له من اخطار نتيجة الاهمال الكبير الذي طالها, يقول كل من رنا حمدان خريجة معهد تجاري وهشام عبد الرزاق محامٍ تنفسنا الصعداء فقد لمسنا بهذه الحملة الوطنية التي شاركت فيها السيدة أسماء الأسد بادرة أمل واشارة لان الموقع الذي عانى الاهمال لسنوات عديدة سيعود لدائرة الاهتمام وسيحظى بالرعاية التي يستحقها.‏

وعمريت كما قالوا:تستحق ان تكون على قائمة التراث العالمي وبجدارة لأنها عريقة وذات تاريخ لأجل ذلك قدموا عريضة تضمنت تواقيع لاهالي طرطوس يطالبون فيها بان تكون عمريت على لائحة التراث العالمي.‏

تراثنا مسؤوليتنا‏

يداً بيد كانت زينة مزهر كلية الاثار واشرف غزالي كلية الفنون يعملان اشرف يزيل الاعشاب التي بدأت تغطي جوانب عديدة من الموقع الاثري وزينة تضعها بأكياس مخصصة لها لترحيلها لا حقا.‏

يقولان:لا يدرك الانسان مدى المكانة التي تشكلها هذه المواقع حتى يتلامس معها بشكل مباشر عندها فقط تعلم اهمية الحفاظ عليها لانها جزء من تراث عالمي يستحق منا الكثير من الرعاية وهذه مسؤولية الجميع ببلدنا من جهات معينة ومسؤولين وحتى السكان المحيطون بالمنطقة.‏

تنقصنا روح التشاركية‏

غياب هذه الروح التشاركية اضافة لتأطير وتنظيم عملنا هو ما تفتقد اليه منظماتنا الشعبية هذا ما اكده السيد عمار ساعاتي رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية مضيفا كل منظمة من منظماتنا الشعبية تمتلك البرامج والخطط غير انها تعمل منفردة مما يشتت الجهود فتضيع بذلك الفائدة المتبادلة لو كان هناك تواصل وعمل تشاركي بين المنظمات والمنضمون تحتها.‏

ولفت ساعاتي إلى أن اتحاد الطلبة لديه برنامج للعمل الوطني ينفذ باحيان كثيرة غير ان انعقاد الملتقى الشبابي العربي التطوعي وتلاحم الافكار الذي حصل بين الشباب العربي قد فتح افاقا واسعة امامنا ودفعنا لتنظيم عملنا بهذا المجال وكانت النتيجة الاولية هذه الحملة الواسعة التي ينفذها شبابنا وشاباتنا بروح عالية ومسؤولية كبيرة دافعهم الوحيد حب الوطن والحفاظ على تراثه من الخطر..‏

واعتبر ساعاتي هذه الحملة انطلاقة ميدانية حقيقية من شأنها ان تتوسع وتعمم اثارها على مختلف المناطق وهذا النوع من الاعمال الذي يؤديه طلابنا وطالباتنا نتشرف به كمنظمة لانه يؤكد ان الطلاب دائما على قدر المسؤولية التي توكل لهم.‏

تكريس لثقافة التطوع‏

وحول الدافع لتنظيم هذه الحملة الشبابية التطوعية بين الدكتور ياسر الجابي - كلية الهندسة المعمارية ان الدافع وراء هذه الحملة عدة اسباب اولها الواقع المتردي الذي تعيشه عمريت من حيث الحاجة الماسة لتأهيلها للزوار وافتقارها للخدمات الأساسية كلوحات الدلالة والممرات والحواجز.‏

وثاني هذه الاسباب الاساسية التي هيأ لها ملتقى الشباب العربي والعمل التطوعي فأعطى دفعاً للشباب كي يتوجهوا لهذا النوع من الاعمال من خلال التنفيذ العملي على ارض الواقع لنتائج هذا الملتقى كل ذلك الى جانب الرغبة الداخلية لدى طلابنا وما ابدوه من اهتمام وتصميم لتحقيق شيء لهذا المكان الهام ما أدى لتنفيذ هذه الحملة.‏

وقال:يشارك في الحملة 200 طالب وطالبة 100 منهم يعملون لتأهيل موقع عمريت و100 آخرون لتأهيل المواقع الاثرية في جزيرة ارواد ومنها البرج الايوبي وقلعة السور الفينيقي والحمام العثماني اضافة للموقع الذي تتم فيه الصناعات التقليدية (السفن).‏

اذا ثقافة التطوع التي اسس لها الملتقى الشبابي بدأت تعطي ثمارها نتائج فعلية وملموسة والبداية كانت بتأهيل حديقة صيدنايا والآن في عمريت ودون ادنى شك ستستمر لتصل لاغلب مواقعنا الاثرية التي تحتاج لتأهيل ولمزيد من الاهتمام والرعاية من كافة الجهات المعنية.‏

المدينة الفينيقية‏

تأسست مدينة عمريت وسكنت في العصر الاموري في الالف الثالث قبل الميلاد وتطورت عبر المراحل الزمنية(البرونز القديم الرابع النهائي-البرونز الوسيط-البرونز الحديث)ومع بداية العصر الفينيقي (النصف الاول من الالف الاول قبل الميلاد)اتسعت بشكل كبير لتأخذ شكلها الراهن في حوالي القرن السابع او السادس قبل الميلاد واصبحت تتألف من (المعبد الرئيسي-منطقة مركزية حوله تحيطها المباني والتنظيمات المرتبطة بالنشاطات الدينية-المرفأ- ملعب رياضي من النمط اليوناني يعود لنهاية القرن الربع و القرن الثالث قبل الميلاد- مقابر جماعية تحيط بالمدينة بشكل كامل)وهذا ما يجعلها اكمل مدينة فينيقية على طول الساحل السوري اللبناني الفلسطيني والمرجع الاساسي لفهم طبيعة المدن الفينيقية على كامل سواحل البحر الابيض المتوسط ومناطق انتشار الحضارة الفينيقية.‏

اكتشافات حديثة‏

اعتبارا من عام 2002 انتظم العمل الميداني من جديد حيث تم متابعة الاعمال بشكل سنوي في العديد من الحقول الهامة والتي ادت الى الكشوفات التالية:‏

مدافن محفورة بالصخر في منطقة البياضة بجانب طريق طرابلس طرطوس الدولي وتعود للعصور الفينيقية المتأخرة اعيد استعمال بعضها خلال العصر الروماني المتأخر وضم العديد من الرسوم الجدارية والتماثيل الرخامية النصفية.‏

الكشف عن العديد من النصب الجنائزية الحجرية في مقبرة البياضة وتعود في غالبيتها الى العصور الفينيقية المتأخرة.‏

الكشف عن الاقسام الهيلينستية في الملعب الواقع الى الشمال الشرقي من المعبد الكبير.‏

الكشف عن مجموعة من المدافن المشيدة في منطقة مقابر عازار والتي تعود الى العصر الهيلينستي.‏

الكشف الى الجنوب الغربي من المعبد الكبير عن اقسام هامة من معبد جديد يعود تأسيسه الى العصور الفينيقية المتأخرة حيث ضمت احدى غرفه مجموعة من الادوات النذرية البرونزية التي كانت مدفونة ضمن بئر مشيد من الاحجار المحلية.

http://thawra.alwehda.gov.sy/_View_news2.asp?FileName=98727202120070918223606