|
 |
ثمار
الوعي والعمل الانساني
تشرين
04/11/2006
سورية مهد
الحضارات الإنسانية". ليس هذا ادعاء بل حقيقة تستند
إلى مواقع أثرية. يسند هذا العمق الحضاري العرب في
الصراع مع إسرائيل التي تدعي حقا تاريخيا لا يثبته
تنقيب أثري.
يفترض إذن أن نبدأ من الدفاع عن هذا الكنز، فتستشار
مديرية الآثار قبل التخطيط لأي مشروع. لكن محافظة
حمص ترى رفع برج نيويوركي في مكان الأبنية التي
سجلتها الآثار! وتقنص من المديرية العامة للآثار
صلاحيتها فتعتمد مهندسا حمصيا يقرر أن الأبنية
المسجلة دون قيمة أثرية أو تاريخية! ومن سوابق
محافظة حمص هدم بيت الدروبي الذي كان قصرا ذا قيمة
تاريخية وفنية. فاستُصدر قرار يؤكد أن "لاقيمة للبيت
لأن زخارفه روكوكو»!
يسوّغ
التطاول على الآثار، اليوم، باسم التنمية! والتنمية
في معناها المستحدث ليست المؤسسات التي ترسخ
الاستقلال الاقتصادي، بل المشاريع العقارية
والسياحية التي ترتبط برياح السوق! لذلك أكد
محافظ طرطوس أن هذه التنمية والآثار خطان متوازيان
لايلتقيان! وهو على حق، فالاستثمار الجائر يدمر
البيئة والمواقع الأثرية ويناقض المصلحة الوطنية.
يفترض إذن
أن تواجه وزارة الثقافة بشجاعة مخططات المحافظات
التي يضايقها أن تفقد بفقد المناطق التي سجلتها
الآثار، مافي مشاريع البناء من المصالح والأرباح.
لذلك يستوقفنا ماجاء في العدد الثاني من مجلة
الرواق، وفي العدد 13133 من جريدة الثورة: أعلن
السيد محافظ طرطوس فرحه بزيارة السيد وزير الثقافة
فهذه "أول زيارة في هذا المستوى من النجاح عمليا
ومهنيا". لأن
السيد وزير الثقافة لم يثبّت مااعتمده وزراء الثقافة
السابقون، فقال: "مايعيق تنمية بعض المناطق يتمثل
بالرغبة في تسجيل عمريت وأرواد على لائحة التراث
الإنساني حيث تشترط اليونيسكو عدم المساس بها.. إلا
أنه بات من الضرورة تحديث بعض الأماكن لتقديم
الخدمات لها، فمن الصعب أن تقول لرجل فقير حافظ على
تحفة أثرية".
المثل غير دقيق.
فسورية
ليست رجلا فقيرا مضطراً لبيع كنوزه الوطنية.
ومهمة وزارة الثقافة المحافظة على الثروة الأثرية
لأنها إنتاج الأجيال وثمرة الحضارة، ولاحق لأحد في
التفريط بها. يستدعي هذا ألا تقع الثقافة في تيه
المصطلحات. لكن السيد وزير الثقافة كرر في طرطوس
ماقاله سابقا: لايمكن أن تعطل مشروعات التنمية قرنا
من الزمان، في انتظار التنقيب! ووضع حماية الحجر ضد
حماية البشر. وبدا أن الحاجات الوطنية تناقض معايير
اليونيسكو في حماية أرواد وعمريت وتسجيلها في سجل
التراث العالمي. وأن الآثار في محافظة طرطوس كارثة
لأنها تزعج البرامج "التنموية" في تل الغمقة وعمريت
وأرواد. "من الواجب إعادة بناء أرواد بشكل حديث
وجميل وأنيق"! لذلك يجب تنفيذ المخطط التنظيمي الذي
وضعته محافظة طرطوس لأرواد، وتقليص المناطق الأثرية
فيها، كيلا تعيق الآثار عمليات "التنمية".
المسافة
واسعة إذن بين مانراه موقعا بيئيا ثقافيا فينيقيا
نادرا في عمريت، ومن يراه أرضا لاستثمارات سكنية
وسياحية. بين التنمية الدائمة، ومشاريع الأرباح
السريعة: "بعدي ماينبت حشيش"!
تكشف القرارات التي اتخذت في اجتماعات طرطوس هدف
المقدمات التي وضعت الإنسان ضد "الحجر"، و"التنمية"
ضد الآثار. فتبين التنازل عن المواقع الأثرية لسوق
المشاريع. وتقلص مساحة المناطق الأثرية المحمية التي
تمنع فيها المنشآت. وتجيز إنشاء محطة كهربائية في
عمريت الفينيقية تخدم المشيدات المخططة فوق الآثار!
ألا يفجع أن تتنازل وزارة الثقافة عن وظيفتها كمؤسسة
تحيط بالحاجات الوطنية الكبرى، فتهبط إلى متطلبات
الإدارة المحلية ذات المشاريع الآنية؟
قرارات
طرطوس خطرة على التراث السوري الحضاري. فورشات
البناء فوق أرض تحتضن لقى أثرية هو انتحار، أو جريمة.
أو هو جهل وأمية. والمرجو أن تنفض الثقافة عنها ضغط
المحافظات والوزارات، فتقيم دورات لتلك المؤسسات
تعرّف العاملين فيها بتاريخ سورية، وتنظم لهم زيارة
معروضات قطْنا، مثلا، التي كان يمكن أن يطمرها مشروع
سياحي أو سكني. وتفسر لهم ضرورة العمق التاريخي في
الصراع العربي الصهيوني. وتوضح تطابق معايير
اليونيسكو في الحماية مع المصلحة الوطنية. وأن
التنقيب عمل بالفرشاة لابالبلدوزر الذي رأينا آثاره
فوق القنوات الفينيقية في عمريت. لذلك لايضيق الغيور
على الثقافة بالتنقيب، ولو استمر قرنا! أليست
مكتشفات قطْنا واوغاريت وايبلا ثمرة عشرات العقود من
التنقيب؟!
ماأكثر ماغطت الشعارات البليغة المفيدين من المشاريع
التي كانت في الماضي قطاعا عاما وهي اليوم مشاريع
استثمارية. نشأت الطفيلية علقا على القطاع العام.
ونما الفساد من بنية تتغطى بشعارات نبيلة. لكن
استنفاد المناطق الأثرية باسم المشاريع السكنية
والسياحية كارثة. لأنها لاتستعاد بقرار اقتصادي يصحح
الخطأ.
نحتاج إذن
أن "تتشدد" الآثار في قرارها، لا أن تلام على ذلك.
بل يجب أن يحاسب، باسم الحق العام، كل من يظهر
التهاون في مصير الثروة الأثرية. لذلك لايجوز
أن تلحق وزارة الثقافة بمشروع الإدارة المحلية
المشغولة بالمساكن، أو بوزارة السياحة المشغولة
بالفنادق، أو بوزارة الاقتصاد المشغولة بالسوق. بل
ينتظر منها، لترد الضغط عن القرار الأثري، أن تدعو
إلى مؤتمر وطني يبحث استخدام المصطلحات والمفردات في
غير معناها، ومنها "التنمية". ويرفع الموقف من
الآثار إلى مستوى المصلحة الوطنية العليا. فوزارة
الثقافة ليست وزارة تكنوقراط، بل مؤسسة مؤتمنة على
ثروة قومية كبرى، وبعد، ليست "التنمية" بناء مساكن
وشاليهات في عمريت. وليست مخططات تنظيمية ومشاريع
فندقية في أرواد. فمشروع التنمية الوطني يتجاوز
الرؤية الاستهلاكية، ويوسع مساحات التنقيب، ويحتفي
باللقى الأثرية. ويتطابق مع الموقف السياسي الوطني.
حقا،
الثقافة ضرورة في كل مؤسسة. ونتمنى ألا تصبح ذات يوم
ضرورة حتى في وزارة الثقافة. لتبقى المبشرة
بأن الثقافة هي الحاجة الأسمى للبشرية. فلا يوضع
الإنسان مقابل الحجر، والتنمية مقابل الآثار. ولا
يباح أن تكون مدافن عمريت مرمى قمامة. ولا تقلص
المناطق التي تحميها الآثار. فالحجارة الأثرية ثمار
العمل والوعي والفنون والعلوم الإنسانية. ولنا في
نهب آثار العراق وتدمير متاحفه، واستنفاد مواقعه
الأثرية، شاهد على مكانة الذاكرة الحضارية في هوية
الشعب، وحقد الغزاة عليها!
www.tishreen.info/_hor.asp?FileName=34303192720061104020720
(تواجه مشكلة في فتح نسخة الموضوع الأصلية على موقع
تشرين؟ الموضوع
كما ورد بصيغة
pdf
)
د.
ناديا خوست
|
|
|
 | |