صرخة
ملونة لإنقاذ عمريت.. تطلقها غادة زغبور في معرض
تشكيلي متنوع
تشرين 10/10/2005
ثقافة وفنون
في
الألف الثالث قبل الميلاد تأسست، كمستوطنة أمورية، كما
يدل اسمها «أمرتو» ويسميها السوريون اليوم «عمريت»
سبعة كيلومترات جنوب طرطوس، مدينة الينابيع والنرجس
البري، وجارة البحر منذ (2150 ق.م) تقريباً والى
اليوم، وعمريت لطرطوس تماماً كالمدينة القديمة لدمشق..
كانت دائماً موضوعاً أثيراً لريشة الفنانين
التشكيليين، وكما الكثير الذين تناولوا دمشق القديمة
في أعمالهم الفنية.. وبيوت الحارة الشامية العتيقة
كذلك كانت عمريت بمغازلها، وأبراجها، ومداخنها..
وأيضاً بملعبها الأولمبي، الذي انطلقت منه أول ألعاب
رياضية منظمة في تاريخ البشرية، منذ القرن
الرابع (تصحيح:
القرن الرابع عشر
وفق بعض الدراسات)قبل
الميلاد، أي قبل الألعاب اليونانية (667 ق.م) بـ (700)
سنة..
عالم
يكاد يندثر
رغم ذلك
فإن جل الفنانين الذين تناولوها لم يستطيعوا سوى أن
يقدموا صوراً توثيقية لآثار متهالكة، كمحاولة لـ «تثبيت»
يائس لعالم يكاد يندثر.. خوف الاندثار هذا هو ما كان
الباعث لجملة من الحملات قام بها «متطوعون للدفاع عن
عمريت وحمايتها
(متطوعون لإنقاذ عمريت)
ومنهم
الفنانة غادة زغبور التي قدمت معرضاً ضخماً ومتنوعاً
في قاعة ذات أروقة مسقوفة نصف قوسية في المدينة
القديمة في طرطوس والتي تجاري عمريت في القدامة. وهنا
لاختيار المكان للعرض دلالاته أيضاً فهو الآخر يتعرض ـ
كما معظم آثار طرطوس ـ للاجتثاث!!
(الصور التالية والتعليق المرافق ليست موجودة في النص الأصلي أضيفت
لإغناء الموضوع)

قاعة العرض
في طرطوس القديمة
أوبريت عمريت

أطفال يشاهدون
رسوم
الأطفال في عمريت
غادة
الدكتورة زغبور في معرضها هذا استطاعت أن تبتعد عن أن
تكون توثيقية وحسب في نقل عالم عمريت، فقد أضافت لذلك
«التهالك» حياة ما..
هي باختصار «أهدت»
إلينا عمريت مرة ثانية، لنحافظ عليها من أيادي سوء
تكاد تلغي وجودها المستمر من آلاف السنين، سواء
بالسرقة، أو العبث، أو الاستثمار غير المدروس، أو
بالإهمال!!
أنثى
الماء
وكان
لاختيار الألوان المائية في بعض اللوحات أن أضفى حرارة
ودفئاً اعطت لـ «حياة» هذه الآثار انطباعاً آخر أبعد
من ذلك المنظر الذي يوحي بالأفول وحسب.. رغم كل
اللمسات الحزينة التي توحي به ألوانها ـ النيلي،
البنفسجي، الأصفر المخضر.. وكأن ثمة علاقة ما، بين
الألوان المائية والفنانة الأنثى، وهذه البساطة
اللامتناهية.. لكنها المعبرة وبليونة وشفافية نادرة
بالحنين والتي لاتتم إلا عن طبع رقيق وحساس وغاية في
الشاعرية.. تؤكدها هدوء الخطوط والصياغة الواقعية
المختزلة، والفضاءات وأمداء اللوحة التي لاتزدحم
بالألوان..

ورغم
الحضور الكبير لعمريت في معظم لوحات غادة ـ ألم تقدم
المعرض بعنوان عفواً عمريت ـ غير أن ثمة مواضيع أخرى
في المعرض إضافة لعمريت لاسيما الموضوع الإنساني
الشعبي، والطبيعة.. في الموضوع الإنساني الشعبي ركزت
الفنانة على الوجوه، غير أنها في تصويرها لتلك الوجوه،
فهي لاترسم «بورتريهات» سواء أكان تصويراً ضوئياً، أم
رسماً.. غادة تقبض على المسحات والملامح التي تعكس
عوالم الشخصية الداخلية، في لقطة نادرة كأن تقبض على
وجه طفلة أو امرأة متلبسة في حزنها.. وجوه عمرها من
عمر عمريت وهي من جوارها تحكي قصة شقاء من ألف عام،
وهكذا الأمر ايضاً ينسحب على لوحاتها التي تصور
الطبيعة فهي تبتعد عن الواقعية الحرفية، لتقدم واقعية
مختزلة بتعبيرية خاصة بغادة زغبور.. لكنه الاختزال
المكتنز والطافح والمفعم برموز ودلالات وإشارات يزيدها
التأمل أكثر فأكثر..
الشيء
الآخر
ثمة
ناقد يتساءل: أيهما حقيقي أكثر الشجرة في الحقل أم
صورة هذه الشجرة في لوحة ضمن صالة العرض؟ وفي الإجابة
يقول: على الرغم من ضخامة وروعة الشجرة في الحقل،
فإنها لم تكن سوى شجرة.. بينما اللوحة هي (الشجرة
ذاتها) أضيف إليها شيء آخر، هذا «الشيء الآخر» هو ما
اشتغلت عليه زغبور في لوحاتها التي تناولت من خلالها
الطبيعة، فبمقدمة صفراء تميل للخضرة، ثمة أشجار بجذوع
وأغصان سود تمدها باتجاه سماء نيلية، على أفق ـ خلفية
ـ نيلي هو الآخر لخريف يكتنز، ويكاد يتفجر رغم الهدوء
الحزين، لكنه القلق في آن.. لوحة تماهى فيها اللون مع
الموضوع في تعبيرية لافتة وفي تناغم نادر بين الطبيعة
وعوالمنا الداخلية..
(الصورة التالية ليست موجودة في النص الأصلي أضيفت
لإغناء الموضوع)

الأمر
ذاته ينسكب وينسحب على وجه امرأة ريفية مألوف ـ كما
ذكرنا من ألف سنة ـ «تقمط» شعرها مع ابتسامة «جوكندا»
محيرة يزيد في الحيرة لون البنفسج ثم هذا النيلي الذي
سينسحب مرة تالية على البحر في لوحة أخرى.
(الصورة التالية ليست موجودة في النص الأصلي أضيفت
لإغناء الموضوع)

إذ
ستجعل من لجّته خضرة تتكامل مع الزورق القرمزي الناقص
في زاوية اللوحة..
كان «ماتيس»
يطالب دائماً بتكثيف المشاعر التي ستضع اللوحة، ويؤكد
يجب رؤية اللوحة بالمتعة البصرية لا الفكرية، وبالمتعة
اللونية لا الشكلية، وبجمال الحركة والتآلف لا
المطابقة مع أشياء عرفناها.. بهذه الرؤية تعبر غادة
زغبور في معظم لوحاتها، عبر كل تنويعات التشكيل التي
اشتغلت عليها بمائياتها والزيت والباستيل وحتى في
التصوير الضوئي، وفي توزيع الكتل والمساحات اللونية
وتدرجات الألوان التي تنطلق من الكثافة حتى تشف.. وفي
إخراج الطبيعة بما فيها المناطق الأثرية في عمريت،
وحتى الوجوه، عن صمتها، بالألوان التي توحي بالحياة
والشغف والحميمية..
بقي أن نذكر
أن الدكتورة غادة زغبور تحضّر هذه الأيام لملتقى ضخم،
«ملتقى عمريت التشكيلي» الذي سيقام بين آثار عمريت
للفت الانتباه لهذه المعلم المهمل رغم كل الصرخات التي
تنادي بحمايته؛ ملتقى يشترك فيه فنانون من مختلف
المحافظات السورية كلها..
ali
al-raee @hotmail. com
على
الراعي
http://www.tishreen.info/__archives.asp?FileName=108500258200510100026005
|